تصلي الكنيسة من أجل أولادها الذين، يحيون على الأرض، أو الذين رقدوا في الرب، وهذا أمر يتفق مع تعاليم الكتاب المقدس، ولكنها ترفض أيضًا الصلاة على المنتقلين الأشرار المصرّين على مخالفة وصايا الرب يسوع، لأنهم ماتوا، وهم في خطاياهم..
إن مَن يعترضون على الصلاة من أجل المنتقلين يتجاهلون مشاعر الحب نحو من انتقلوا، ويتناسون أيضًا وصايا المحبة والوحدانية، التي أمر الرب بها نحو إخوتنا، الذين ماتوا، وفارقوا عالمنا.
فيما يلي نتناول ذلك بالشرح من خلال النقاط التالية:
أولًا: الصلاة من أجل الآخرين أمر إلهي
زمن الرحمة المحدود.
يتمهل الله على كل نفس منعمًا عليها بفرص كثيرة للتوبة، ولكن باب التوبة لا بد أن يغلق، بعدما يستنفذ الشرير كل فرص التوبة، كقوله: "أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ" (رو٢: ٤، ٥). بعدها ينتهي زمن الرحمة، ويغلق باب التوبة بانتهاء عمر الإنسان، ولا يبقى أمام الشرير غير انتظار عقاب الدينونة المخيف.
وجوب الصلاة لأجل الآخرين.
بالنسبة للصلاة من أجل الآخرين معروف أن الله قد أمرنا بالصلاة من أجل الآخرين حتى الأعداء.
أما بالنسبة للصلاة من أجل من أخطأ بمخالفته الوصايا الإلهية، فيقول الكتاب: "وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبْنَا يَسْمَعُ لَنَا، نَعْلَمُ أَنَّ لَنَا الطِّلِبَاتِ الَّتِي طَلَبْنَاهَا مِنْهُ. إِنْ رَأَى أَحَدٌ أَخَاهُ يُخْطِئُ خَطِيَّةً لَيْسَتْ لِلْمَوْتِ، يَطْلُبُ، فَيُعْطِيهِ حَيَاةً لِلَّذِينَ يُخْطِئُونَ لَيْسَ لِلْمَوْتِ. تُوجَدُ خَطِيَّةٌ لِلْمَوْتِ. لَيْسَ لأَجْلِ هذِهِ أَقُولُ أَنْ يُطْلَبَ" (1يو5: 15-16).
إذًا على الأحياء أن يطلبوا من أجل خلاص نفوس أحبائهم، ما داموا لم يخطئوا خطية للموت.
الخطية التي للموت، التي لا يصلّى لأجل غفرانها.
الخطيئة المميتة بحسب وصف الكتاب هي خطية التجديف على الروح القدس، أي رفض عمله، وإرشاده، وهي دوام رفض الاستجابة لتبكيت روح الله وإرشاده، أو هي العناد في رفض الإيمان، وعدم قبول كلمة الله، والإصرار على عدم التوبة، كقول الكتاب: "وَلكِنْ مَنْ جَدَّفَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى الأَبَدِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيَّةً" (مر 3: 29).
أو هي الخطية التي وصفها معلمنا بولس الرسول، بقوله: "اُنْظُرُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي أَحَدِكُمْ قَلْبٌ شِرِّيرٌ بِعَدَمِ إِيمَانٍ فِي الارْتِدَادِ عَنِ اللهِ الْحَيِّ" (عب 3: 12).
وقد حذر الرب يسوع اليهود الرافضين الإيمان به، وبكلامه من الاستمرار في هذه الخطية حتى الموت، قائلًا لهم: "فَقُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ، لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ" (يو 8: 24). فمن مات وهو مصرّ على البقاء في خطيئته لن يغفر له.
الكنيسة تصلي من أجل الأموات في الرب.
إن الكنيسة تصلي من أجل نفوس الأموات في الرب: أي الذين ماتوا وهم متمسكون بالإيمان، وقد نقلهم الرب إلى فردوس النعيم، وبالطبع لا تصلي لمن هم في الجحيم، لأنهم مرفوضون، كقول أب الآباء إبراهيم في مثل الغني ولعازر: "وَفَوْقَ هذَا كُلِّهِ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ ههُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ، وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا" (لو 16: 26).
إن الله هو الغني، الذي يغدق نعمه على الأحياء في الأرض، ولا يتوقف عطاءه على سكان الأرض فقط، بل يعطي سكان السماء أيضًا من جوده وخيره، فهو قادر أن يهب المنتقلين في فردوس النعيم راحة ونياحًا وسلامًا، وعطايا أخرى كثيرة، قد لا ندركها الآن، لكننا نثق في كرم الله وجوده، كقول الرب في سفر الرؤيا لنفوس الشهداء، الذين قتلوا لأجل اسمه: "فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَابًا بِيضًا، وَقِيلَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَانًا يَسِيرًا أَيْضًا حَتَّى يَكْمَلَ الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ أَيْضًا، الْعَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ" (رؤ ٦: ١١).
الكنيسة تطلب رحمة وغفرانًا لأبنائها.
طالب الرسول العظيم يوحنا الحبيب المؤمنين بالصلاة لمن يخطئ خطية، ليست للموت، ولم يجزم الرسول بوجوب الطلب والصلاة للأحياء في الجسد فقط، لكنه ترك أمر الصلاة، دون تحديد، لذا يمكن أن يشمل المنتقلين أيضًا، كقوله: "إِنْ رَأَى أَحَدٌ أَخَاهُ يُخْطِئُ خَطِيَّةً لَيْسَتْ لِلْمَوْتِ، يَطْلُبُ، فَيُعْطِيهِ حَيَاةً لِلَّذِينَ يُخْطِئُونَ لَيْسَ لِلْمَوْتِ..." (1يو5: 16).
لذلك تطلب كنيستنا الرحمة والغفران والفوز بالحياة الأبدية لمن سبقوا، ورقدوا من شعب الكنيسة المباركين، وقد أكد معلمنا بولس الرسول نفع الصلاة لمن سبق ورقد في الرب، وذلك بطلب الرحمة لشخص يدعى أُنِيسِيفُورُسَ الخادم، الذي رقد في الرب، بقوله: "لِيُعْطِهِ الرَّبُّ أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. وَكُلُّ مَا كَانَ يَخْدِمُ فِي أَفَسُسَ أَنْتَ تَعْرِفُهُ جَيِّدًا" (2تي 1: 18).
ثانيًا: الأموات الذين لا يطلب لأجلهم
الكنيسة لا تصلي لمن مات في خطاياه.
تتبع الكنيسة مخلصها وربها الصالح، ولذا لا يجوز الصلاة مثلًا للشيطان، أو لمن رفضهم الله، لأن الله لا يرفض إلا من لا رجاء فيه، ومثال قول الله لإرميا النبي: "وَأَنْتَ فَلاَ تُصَلِّ لأَجْلِ هذَا الشَّعْبِ وَلاَ تَرْفَعْ لأَجْلِهِمْ دُعَاءً وَلاَ صَلاَةً، وَلاَ تُلِحَّ عَلَيَّ لأَنِّي لاَ أَسْمَعُك" (إر ٧: ١٦).
وأيضًا أمره لصموئيل النبي بألاَّ ينوح (أي يصلي بتأثر ولجاجة) لشاول الملك، كقوله: "فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: «حَتَّى مَتَى تَنُوحُ عَلَى شَاوُلَ، وَأَنَا قَدْ رَفَضْتُهُ عَنْ أَنْ يَمْلِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ؟ اِمْلأْ قَرْنَكَ دُهْنًا وَتَعَالَ أُرْسِلْكَ إِلَى يَسَّى الْبَيْتَلَحْمِيِّ، لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ لِي فِي بَنِيهِ مَلِكًا»" (1صم ١٦: ١).
الخطية المميتة خطية واضحة للعيان.
هذه الخطية واضحة للعيان، لأن صاحبها يفعلها متعمدًا، ويجاهر بها، بدون خجل أو خشية من الله أو الناس، وهذا يعبر عن عدم إيمان بالله، ويصدق في مثل هذا قول الكتاب: "خَطَايَا بَعْضِ النَّاسِ وَاضِحَةٌ تَتَقَدَّمُ إِلَى الْقَضَاءِ، وَأَمَّا الْبَعْضُ فَتَتْبَعُهُمْ" (1تي 5: 24).
وبناء على وضوح هذه الخطايا تصدر في مثل هذه الحالات أحكام حرمان من شركة الكنيسة، ومن أمثال تلك الخطايا: خطية الارتداد عن الإيمان، أو خطية الارتباط بزيجات محرمة، ومثالها أيضًا خطية رجل في كورنثوس تزوج من امرأة أبيه، فحرمته الكنيسة، أو مثل خطية المجاهرة والإصرار على العيش في الخطيئة ورفض التوبة، وهكذا... وفي هذه الحالة لا تطلب الكنيسة البركات للخاطئ، إلا إذا أعلن توبته.
الأشرار، الذين سببوا الآلام لإخوتهم.
خطايا العناد والإصرار على عدم التوبة فيها مخالفة لله، وظلم للمساكين والضعفاء، مما يتسبب في آلام كثيرة للغير، فيئن المظلومون، ويصرخون لله، ولهذا تَحِرمُ الكنيسة أمثال هؤلاء الظالمين من شركتها. وعند موت أمثال هؤلاء يتنفس المُذَلِّون الصعداء، ويشكرون الله لخلاصهم من الظلم والذل، كقول الكتاب: "بِخَيْرِ الصِّدِّيقِينَ تَفْرَحُ الْمَدِينَةُ، وَعِنْدَ هَلاَكِ الأَشْرَارِ هُتَافٌ" (أم١١: ١٠)ولهذا من المنطقي أن ترفض الكنيسة الصلاة على أمثال هؤلاء الأشرار، تمشيًا مع وصية الكتاب، وحرصًا منها على عدم تشجيع الأشرار على التمادي في شرورهم.
ثالثًا: وجوب الصلاة من أجل الأبرار المنتقلين
الصلاة لأجل الأبرار المنتقلين أمر طبيعي يتفق مع المحبة، التي أوصانا الله بها، وأيضًا تمشيًا مع الحب العامل في قلوب أبناء الله، وهي أيضًا أمر طبيعي يتفق مع المشاعر الإنسانية السامية للإنسان، وأيضًا رد فعل لمحبة وبذل الأحباء المنتقلين، وإلا فكيف يهبنا الله في القلب حبًّا، ثم يطالبنا بعدم الاكتراث بمصير الأحباء المنتقلين، أمثال الآباء والأمهات والإخوة والأخوات، الذين عايشناهم، وشاركناهم الحياة الدنيا.
إن صلواتنا لأجل الأحباء المنتقلين تؤكد أننا وهم واحد في الرب يسوع المسيح، وسنجتمع قريبًا معهم أمام العرش الإلهي.
شعب لُدَّة في العصر الرسولي قدوة لنا.
أعطى الكتاب المقدس مثالًا واضحًا عن المحبة الواجبة تجاه أحبائنا المنتقلين، وذلك بما دونه الوحي الإلهي من تأثر شعب كنيسة لُدَّة لانتقال أخت عزيزة لديهم، اسمها غزالة.
اهتمت غزالة أثناء حياتها بصنع أقمصة وثيابًا للمحتاجين في لُدَّة، فلما انتقلت إلى السماء أرسل المحبون لها من شعب كنيسة لدة رسلًا ليافا، ليستدعوا معلمنا بطرس الرسول، ليصلي لأجلها، كقول الكتاب: "وَإِذْ كَانَتْ لُدَّةُ قَرِيبَةً مِنْ يَافَا، وَسَمِعَ التَّلاَمِيذُ أَنَّ بُطْرُسَ فِيهَا، أَرْسَلُوا رَجُلَيْنِ يَطْلُبَانِ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَوَانَى عَنْ أَنْ يَجْتَازَ إِلَيْهِمْ" (أع 9: 38).
لم يمتنع القديس بطرس الرسول عن الذهاب من يافا إلى لدَّة لمشاركة شعبها مشاعرهم نحو غزالة، وليصلي لأجلها، وبالفعل استجاب الرب للمشاعر الصادقة والطلبات الصادرة من أحبائها، ولصلوات القديس بطرس الرسول، فأقامها من الموت. لقد كانت استجابة الرب بإقامتها تصديقًا على عظمة محبة شعب لدة، وبرهانًا على قبول الله الصلوات، التي تطالبه بنعمة الرحمة للمنتقلين.
قيمة وأهمية الصلاة لأجل المنتقلين.
الصلاة على المنتقلين في الكنيسة تعبر عن ما يلي:
اعتزاز وحب الكنيسة نحو أبنائها المنتقلين، وفيها تطلب الكنيسة الغفران للأحباء المنتقلين، خصوصًا الخطايا التي لم يدركها المنتقل، أو تلك التي لم يتمكن من الاعتراف بها، أو خطايا السهو.
وتتضمن الصلوات على المنتقلين أيضًا طلب العزاء لأسرهم، وتقدم الكنيسة أيضًا في مثل هذه المناسبات عظة مناسبة للحاضرين.
تذكارات المنتقلين في الصلوات الخاصة وفي صلوات القداسات تؤكد رباط المحبة، الذي يربط الأحياء بأهلهم من المنتقلين، ويزكي الشوق، والتطلع للالتقاء بهم في الأبدية.
إن طلب الرحمة لأجل الأحباء المنتقلين يعبر عن مشاعر طبيعية حقيقية في القلب، لا يمكن تجاهلها، ولا التنكر لها، وهي نوع من الوفاء للحبيب المنتقل.
تذكارات المنتقلين في القداسات يؤكد وحدانية الكنيسة المتغربة في الأرض، والمستوطنة في السماء، والتفافهما معًا حول المخلص المسيح الرب.
تذكارات الأحباء المنتقلين في أزمنة محددة فرصة لالتقاء أفراد الأسرة في محبة، ولتَذَّكر الأب أو الأم أو الأخ، الذي ارتبط به أفراد الأسرة في حياته.
عمل الرحمة والعطاء للمحتاجين باسم المنتقلين مستحب، ولا يوجد ما يمنع في الكتاب المقدس من عمل الرحمة باسم المنتقلين.
اعتراض البعض على الصلاة لأجل المنتقلين، وتفنيدها.
1. الحجة
يعترض البعض على الصلاة لأجل المنتقلين، بحجة أن الله لن يغير قراره الخاص بخلاص الإنسان بعد موته، وبناء عليه ينكرون قيمة الصلاة لأجل المنتقل بعد مماته.
تفنيد الحجة
نعم قرار الله في أمر خلاص الإنسان لا يتغير، فالله يعلم منذ الأزل من سيخلص، ومن سيهلك حسب القاعدة اللاهوتية الكتابية، القائلة: "مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ" (أع ١٥: ١٨).
ذلك بسبب معرفة الله المسبقة بكل ما يخص البشر، ولكن الله يرى، ويسمع مسبقًا صلوات وتضرعات الأحباء لأجل موتاهم، قبل أن يصلوها، والتي سيقدمونها بعد موت أقاربهم، وذلك ببساطة لأن الماضي والمستقبل يراه الله حاضرًا، وبناءً على ما سبق يمكننا أن نخلص بأنه لا مانع من الصلاة على الأحباء، الذين انتقلوا بعد موتهم، لأن الله سبق وسمع الصلوات، التي تقدم لأجلهم بعد انتقالهم.
الحجة
بعد الموت لا يوجد توبة فلماذا تصلي الكنيسة لأجل الأموات، وهم لن يمكنهم التوبة، لأنهم لم يعد أمامهم اختيار الرجوع لله والسلوك في طريق الاستقامة؟
تفنيد الحجة
نعم لا يمكن، ولا يوجد أمام المنتقلين الأشرار فرصة للتوبة والرجوع لله والسلوك بالتقوى، ولكننا لا نصلي لأمثال هؤلاء الأشرار غير التائبين.
إننا نصلي لأحباء مباركين تائبين ماتوا، وهم في الرب وفي الإيمان به وفي مخافته، كأمثال هؤلاء، الذين ذكرهم سفر رؤيا، قائلاً عنهم: "وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا لِي: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ». «نَعَمْ» يَقُولُ الرُّوحُ: «لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ»" (رؤ 14: 13).
إن أمثال هؤلاء القديسين ليسوا بلا خطية حتى، ولو كانت حياتهم يوم واحد على الأرض، كقوله: "إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا" (1 يو 1: 8). لأن الإنسان قد يخطئ سهوًا دون أن يدرك، وقد يخطئ بسبب عدم معرفته، أو قد يُقَصِر في صنع الخير، دون قصد منه، أو... أو...
هنا نتسائل ما هو العيب في طلب الكنيسة من أجل غفران أمثال هذه الخطايا لهؤلاء الأبناء المخلصين لله، والذين ماتوا في الرب؟!
لقد منح الرب الكنيسة السلطان لمحاللة وغفران خطايا أبنائها وبناتها التائبين، كقوله: "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: «سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»" (يو ٢٠: ٢١-٢٣)
إن الكنيسة حينما تصلي طالبة الغفران والرحمة للمنتقلين من أبنائها المباركين تمارس سلطانها، الذي وهبه لها الرب خاضعة لوصيته المقدسة، التي ذكرناها سابقًا.
أما الأفراد، الذين يصلون طالبين الرحمة لذويهم حبًا فيهم فلماذا تمنعهم الكنيسة من ذلك؟! ما دام أقربائهم المنتقلين ليسوا أشرارًا سيئي السمعة؟!