شهد التاريخ أن بشارة رسل الرب يسوع، وتلاميذه كانت نهاية عصور الظلام، التي سادت فيها البربرية بشرورها، وقسوتها العالم كله. لقد علم آباؤنا القديسون العالم أسس التحضر، والمبادئ السامية. إن العالم مدين للمسيحية، بكل ما يتمتع به الآن من قيم وتحضر، واحترام للإنسانية. لقد بذر رسل المسيح بذور الحب فنما الخير، وصار إرث حضاري، وثقافي، توارثته الأجيال المتعاقبة. حقًا إن رسل المسيح هم المبشرون بالخيرات كقول الكتاب: "... مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ" (رو١٠: ١٥). فيما يلي نشرح ما يدعيه الملحدون لعدم حاجة البشرية لله كمصدر للخير والصلاح، ثم نفسر قدرة غير المؤمنين على فعل الخير، ثم نعرض لكيفية تقيم الأعمال الخيرة، وأخيرًا نشرح تميز أعمال الخير والصلاح التي يقدمها المسيحي لمجتمعه.
أولًا: الله هو المصدر الأوحد للخير والصلاح:
- عدم إمكانية الحياة بدون نعم وعطايا الله صانع الخيرات:
ما يقدمه الله للإنسان من خير، ليس هو فقط الرزق والإعالة، لكن حياتنا ووجودنا يتعلق بالله في كل كبيرة، وصغيرة، ومن يريد أن يتخيل عالمنا دون عمل الله فينا فليرجع للوراء بذهنه إلى منظر الأرض الخالية، والخربة قبلما يخلقها الله. إن خير الله، وصلاحه للبشرية يشكل أمر مصيري لا غنى عنه، لأنه يشمل الحياة بجملتها، ولا يوجد بين الخلائق من يمكنه أن يقدم ما يقدمه الله من خير لبني البشر على الإطلاق كقول معلمنا بولس الرسول: "لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ... لأَنَّنَا أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ" (أع١٧: ٢٨). لقد أكد الكتاب صراحة، أن الله هو مصدر القوة، وهو وراء كل عمل صالح في حياة الإنسان قائلًا: " "لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ." (في٢: ١٣).
- كرم الله وجوده يفسر ما في الأشرار، والجاحدون من خير:
تَمتعُ الملحدون بأخلاق حميدة، وصُنعهم الخير ليس دليل على وجود الخير دون وجود الله، ولماذا يعتقد الملحدون ذلك؟ ولماذا لا يعتقدون أن الله الخَيِّر قد منحهم طبيعة خيرة قادرة على صنع الخير؟! أن الله هو المحب، والرحوم، وهو أيضًا صانع خيرات، الذي ينعم على الشاكرين، وغير الشاكرين كقول الكتاب: "بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ." (لو٦: ٣٥).
إن قبول الإنسان للشر يفسد ما خلقه الله من أمور صالحة، ومع هذا يظل الله أمينا، ومحباً، ولا يحرم الإنسان من عطاياه كقول الكتاب: "لأَنَّ هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ." (رو١١: ٢٩). لقد شهد الكتاب المقدس عن أناس صنعوا خيراً، بالرغم من كونهم غير مؤمنون، ومن أشهر هؤلاء كورش الفارسي، الذي رد سبي إسرائيل، وقال عن الوحي الإلهي: "الْقَائِلُ عَنْ كُورَشَ: رَاعِيَّ، فَكُلَّ مَسَرَّتِي يُتَمِّمُ..." (إش٤٤: ٢٨) وهناك الكثير من الأمثلة، التي ذكرها الكتاب المقدس لأناس غير مؤمنين صنعوا خيراً أمثال: القابلتين، اللتين لم تطيعا أمر فرعون مصر بقتل الذكور المولدين من النساء العبرانيات، وأيضاً أرتحشستا الملك، الذي أسدى معروفاً لنحميا، وأمة اليهود كلها، وهكذا...
مما سبق يمكننا أن ننظر لوجود الخير في غير المؤمنين كدليل على صلاح الله الخالق، الذي خلق الإنسان على صورته، ومثاله في الصلاح، وهذا لا يعني مطلقًا وجود مصدر آخر للخير غير الله.
ثانيًا: أعمال الإنسان الخيرية في الميزان:
- قدرة البشر المحدودة، وشرهم يعطلهم عن صنع الخير:
إن قدرة البشر محدودة في صنع الخير، ومهما عملوا من خير فهم يخورون ويعجزون سريعاً لضعفهم، الذي يخذلهم على الدوام، وقد يتأخر الإنسان عن صنع الخير، لأنه يفضل الراحة على التعب، أو لأنه لا يريد أن يخاطر بذاته، أو لا يريد أن يتعب ليذلل المشقات التي تعترضه في صنع الخير، أو أن شهواته الشريرة قد تدفعه لصنع الشر بدلا من الخير أو… أو... لقد أكد معلمنا بولس الرسول تلك الحقيقة قائلاً: "فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ" (رو٧: ١٨- ١٩).
قد يشترك الناس جميعهم أبرار، أو أشرار في القدرة على فعل بعض الأعمال الحسنة، لكن الكثيرون يعجزون عن صنع الخير مع الجميع، فيختارون من يصنعون معهم خيرًا، ويعتبرون أنفسهم غير مطالبون بصنعه مع أعدائهم، لأن هذا يصعب عليهم، ولكن الرب يسوع طالب المسيحيين بالكمال، وذلك بصنع الخير مع الجميع حتى الأعداء دون شرط قائلاً: "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ... لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ (مت٥: ٤٣-٤٧)
هناك أسباب، أو دوافع كثيرة (قد تكون نبيلة، أو دوافع انتهازية مادية) لصنع الخير. إن دوافع فعل الخير تختلف من شخص لآخر، فالناس قد تصنع خيراً بصورة طبيعية تلقائية مع أبنائهم، وأقاربهم (تشهد لطبيعة خلقتهم الخيرة)، وقد يصنعون الخير لعلهم يفوزون بنفع مادي، أو أدبي، وقد يكون ذلك بتأثير نشأتهم وتربيتهم، أو تأثراً بثقافةوعادات المجتمع الراقي الذين نشأوا وتربوا فيه، أو… أو… ولكن الصلاح المسيحي يتميز بأنه ينبع من القلب إرضاًء، وحبًا لله كقول الكتاب، الذي طالبنا ألا نخدم خدمة العين (طلب إرضاء الناس) قائلا: "لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ" (أف٦: ٦).
ثالثًا: الحاجة إلى قوة، ونعمة روح الله القدوس كنز الصالحات:
- عمل الصلاح يحتاج لقوة إلهية سماوية؟
إن عمل الصلاح، والحب، وانفتاح القلب نحو الجميع يحتاج لمعونة إلهية، لأن هذا ليس بالأمر الهين. وهل من منصف يمكنه أن يتجاهل طبيعتنا البشرية الضعيفة؟! إن من يخدم ينبغي عليه، أن يشارك الناس متاعبهم بصبر كقول الوحي الإلهي: "اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ" (غل٦: ٢).
إن رغبات الإنسان المقدسة في حب وعمل الخير للجميع تصطدم بأنانيته، وطمعه، وشهواته الدنيئة، وهذا هو الصراع بين الجسد المادي الشهواني، وبين الروح السامية، ولهذا يحتاج الإنسان قوة ونعمة إلهية لكي يغلب الشر كقوله: "لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ" (رو١٢: ٢١).
لقد أمر الرب يسوع تلاميذه القديسين بعد قيامته المجيدة ألا يخرجوا من أورشليم للكرازة، حتى ينالوا قوة بعدما يحل الروح القدس عليهم، ذلك لأنهم ضعفاء، مثل سائر البشر، ويحتاجون لقوة ونعمة إلهية عظيمة، لكي ينيروا ظلمة الشر في العالم كله. لقد شهد معلمنا بطرس الرسول بعظم نعمة الله الغنية للمؤمنين قائلًا: "كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ" (٢بط١: ٣).
رابعًا: أعمال المسيحي الصالحة مميزة بما يلي:
- حب الخير للغير يتساوى مع حب الخير للنفس:
إن الوحي الإلهي يطالب المسيحيين بصنع الخير بكل طاقاتهم، وقدراتهم ويعتبر من لا يصنع الخير بكل طاقته مخطئاً كقول الكتاب: "وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ"(مر١٢: ٣٠- ٣١).
- الأعمال الصالحة تخرج من القلب الشبعان بالحب الإلهي:
يستحيل على الإنسان الذي لم يذق طعم الحب، أن يسلك بإيجابية، أو يتفاعل بانفتاح قلب وحب وسط مجتمعه. أنه مسكين لم يعرف الخير، فكيف له أن يصنع خيرًا دون أن يكون قد أدرك عظمة ومعنى الخير؟! يعاني الكثيرون الألم نتيجة عدم الشبع من الحب في طفولتهم، وقد ينحرفون في طريق الشر، ولا علاج لنفوسهم المريضة إلا بالحب الإلهي السامي الذي يقدمه الله لكل إنسان. أما المؤمنون فقد أدركوا وتذوقوا حب الرب يسوع الشافي، فلذلك يحبون إخوتهم كقول الكتاب: "بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ" (١يو٣: ١٦). إن الإنسان كلما أدرك معنى الحب، كلما امتلأ حبًا نحو الآخرين، وهكذا يندفع بطاقة إيجابية فعالة لخدمة كل من حوله، وهكذا أيضاً يأتي بثمر كثير لمجد اسم الرب كقوله المبارك: " أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يو١٥: ٥).
- الحب المسيحي الكامل أعظم محرك للعمل الصالح:
إن الحب الإلهي لبني البشر يفوق أي حب بشري، لأن مصدره إلهي لا يفرغ، بل يتجدد، ويتكامل باستمرار من خلال الثبات في الرب يسوع محب البشر، ولذا يندفع أولاد الله بالحب في تلقائية نحو الغير كقول الرب: "وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ" (يو١٣: ٣٤- ٣٥).
إن الحب المسيحي غير مشروط، فهو يشمل الجميع دون تفرقة، ودون انتظار المكافأة، لأن ما يقدمه المسيحي من أعمال الصلاح والخير لمجتمعه دافعها الأول هو الأمانة وحب الله. لقد أعطى يوسف الصديق أعظم مثال للحب والأمانة في عصره، عندما رفض الشر حباً في الله، وفي سيده مفضلاً الحفاظ على عرض سيده أكثر من احتماله لعار وآلام السجن كقول الكتاب: "فَأَبَى وَقَالَ لامْرَأَةِ سَيِّدِهِ: "هُوَذَا سَيِّدِي لاَ يَعْرِفُ مَعِي مَا فِي الْبَيْتِ... وَلَمْ يُمْسِكْ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَكِ، لأَنَّكِ امْرَأَتُهُ. فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟" (تك٣٩: ٨- ٩). ولكن أي عمل خير خال من الحب لا ضمان لاستمراريته كقول الكتاب: "اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا. وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ" (١كو١٣: ٨).
- ميزان ومقياس الأعمال الصالحة:
يرقى عمل الخير بحسب مفهوم الكتاب المقدس عن كونه عمل بشري طبيعي محدود، لأنه عمل الله في النفس البشرية، ودافعه الأوحد الحب، الذي امتلأ به قلب المؤمن التقي من نحو الله. هو ثمرة من ثمار روح الله القدوس كقول الكتاب: "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ" (غل٥: ٢٢- ٢٣).
إن المحبة المسيحية لها تقاس بمواصفات سامية قد حدد معالمها بدقة الرسول بولس العظيم في الأصحاح الثالث عشر من رسالته إلى أهل كورنثوس ومن صفات هذه المحبة قوله: "وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ، وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" (١كو١٣: ٥-٧).
الاستنتاج:
- المسيحيون لا يحركهم في طريق الخير مقابل، أو مكافأة:
وعد الرب يسوع بميراث ملكوت السماوات لمن يحبه، وليس لكل من يعمل فقط. إن من يحب الرب هو الذي يحفظ وصيته ويعمل بها، وهو الذي يقدم أعماله تقدمة حب لله كقول الرب: "لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي...فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ" (مت٢٥: ٣٥- ٤٠).. أننا ننعم بالنعيم الأبدي، لأننا أبناء وورثة الله كقول الكتاب: "فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ." (رو٨: ١٧).إن الدافع وراء كل عمل صالح هو الحب، والبنوة لله كقول الكتاب: " وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ…. لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ" (مت٥: ٤٤- ٤٥).