الصراحة ليس حراماً . لكن المهم مع من تكون ؟ وكيف تكون ؟ وما هو الأسلوب الذي تتكلم به , أثناء صراحتك مع غيرك ؟ هو أسلوب لائق أو غير لائق ؟ وهل هو أسلوب جارح , أو إسلوب قاس ؟ وهل يشمل إتهاماً ظالماً ربما بسبب معلومات غير سليمة قد وصلت إليك ؟ وهل أنت في صراحتك تتدخل فيما لا يعنيك ؟ وتتجرأ على ماهو ليس من إختصاصك ؟ كذلك أعرف الأسلوب الذي تتكلم به في صراحة ، مع شخص أكبر منك سناً أو مقاماً أو مركزاً : لا شك أن الصراحة معه تختلف عن صراحتك مع شخص في نفس سنك ومركزك , وتختلف عن صراحتك مع صديق ، توجد بينك وبينه دالة . وتسمح هذه الدالة أن تستخدم معه ألفاظاً لا تستطيع أن تستخدمها مع شخص كبير . إنك تستطيع في صراحتك أن تقول لصديقك \"أنت غلطان\" . وقد لاتستطيع أن تقولها لوالدك أو عمك , أو أي شخص له مهابة في نظرك . والصراحة أيضاً تحتاج إلى أدب في المخاطبة . ويلزمك فيها أن تكون حريصاً على إنتقاء الألفاظ . بحيث تستخدم ألفاظاً تصل بها إلى هدفك , دون أن تهين من تكلمه أو تجرحه أو تسيء إليه , لأن هذا غير لا ئق . لأن هناك أشخاصاً في صراحتهم يستخدمون ألفاظاً كرجم الطوب . ويحاولون أن يخفوا أخطاءهم هذه تحت إسم الصراحة !! وتكون إدانتهم , ليس على صراحتهم , إنما بسبب عدم حرصهم على أدب التخاطب في الصراحة , أو بسبب عدم اللياقة ... كذلك ينبغي أن تكون الصراحة في حكمة , حسب هدف روحي سليم . فهل الهدف هو التوبيخ والإهانة ومجرد النقد ؟ أم الهدف هو تبليغ رسالة معينة ؟ أم الهدف هو العتاب والتصالح . فإن كان الهدف سليماً , تكون الوسيلة الموصلة إليه سليمة أيضاً وتأتي بنتيجة طيبة . أقول هذا لأن البعض يظن أن هدف الصراحة هو توبيخ المخطيء أو من يظن أنه مخطيء , كما يفتخر أحدهم بصراحته قائلاً : أنا إنسان صريح : أقول للأعور أنت أعور , في عينه . فهل ياأخي إن قلت للأعور هكذا , تكون قد كسبته أم خسرته ؟ وهل لو عايرته بعبارة أنت أعور , تكون صراحتك هذه سبباً في إرجاع البصر إلى عينه العوراء !! أم هي صراحة لمجرد التجريح والإهانة والإيذاء ؟ ! وبلا فائدة تجنيها منها . مثل هذا الإنسان ( الصريح ) , يرى الصراحة إثباتاً لجرأته وشجاعته . فلو كان السبب هو الذات فقط , لا تعد صراحته فضيلة . أما الصراحة التي قال بها المعمدان للملك هيرودس \"لا يحق لك أن تأخذ إمرأة أخيك\" ( مر 6 : 18 ) , فقد كانت درساً للأجيال كلها في تحديد موقف الشريعة الإلهي من زواج خاطيء . كما لا ننسى أن يـوحنا المعمدان كان نبياً , بل أفضل من نبي ( مت 11 : 9 ) وبهذا الوضع كان له السلطان أن يوبخ .. فهل أنت لك السلطان , الذي به تستطيع أن توبخ , وفي صراحة ؟! إذن إذا تكلمت مع من هو أكبر منك , فأخلط صراحتك بالأدب والحكمة . وأمامك مثال أبيجايل في حديثها مع داود النبي : قامت بتبليغه الرسالة , وحذرته من الإنتقام لنفسه وإتيان الدماء . ولكن في منتهى الأدب والتواضع . سجدت عنه قدميه , وقالت له \"علي أنا ياسيدي هذا الذنب . ودع أمتك تـتكلم في أذنيك , وإسمـع كلام أمتك\" ( 1 صم 25 : 23 ، 24 ) . ولم تخاطبه إلا بعبارتي سيدي , وأمتك . وكانت تخلط الصراحة في تحذيره من الخطأ , بالمديح والإعتراف بعظم مركزه . وإشعاره بأنها تريد له الخير . وتخشى أن يكون إنتقامه معثرة قلب له حينما يقيمه الرب رئيساً لشعبه . وهكذا صارحته بكل إجلال وإحترام له , وبإقناع , ومركزها تحت قدميه . وهكذا تقبل منها داود هذه الصراحة وطوبها , وقال لها \"مبارك عقلك , ومباركة أنت , لأنك منعتني اليوم عن إتيان الدماء , وإنتقام لنفسي\" ( 1 صم 25 : 33 ) . حقاً ، إن هناك فرقاً بين الصراحة , وسلاطة اللسان . في الصراحة مع الكبار , ينبغي أن يحتفظ الإنسان بإحترامه لهم , وبتواضع قلبه وتواضع لسانه . ولايجوز له أن يرتئي فوق ماينبغي بل يرتئي إلى التعقل(رو3:12) . ومادام يعتبر الصراحة فضيلة , في الشهادة للحق , فلا يجوز أن يجعل فضيلة تضيع منه فضيلة أخرى . أعني الشهادة للحق لا يجوز أن تضيع الأدب والإتضاع ... أما عن إسلوب الصراحة إذ تكلم به الكبير مع الصغير . فأعمق مثل له حديث السيد المسيح مع السامرية . لقد كلمها عن حالها , في صراحة كشفت خطيئتها \"كان لك خمسة أزواج . والذي لك الأن ليس هو زوجك\" ( يو 4 : 18 ) . قال بأسلوب غير جارح , إذ إستخدم عبارة ( أزواج ) بدلاً من أية كلمة أخرى تخدش شعورها . وكذلك عبارة ( الذي لك الأن ) . كما أنه غلف عبارته الصريحة بكلمتي مديح من قبل وبعد : إذ بدأ بعبارة \"حسناً قلت ليس لي زوج\" وختم بعبارة \"هذا قلت بالصدق\" ..... لهذا لم تتعب المرأة صراحة الرب معها . بل على العكس قالت له \"ياسيد أرى أنك نبي\" ( يو 4 : 19).