( هل ستذهبين معنا هذه الليلة إلي حفلة الديسكو؟ ) قالها لي أحد الزملاء الذي يظن نفسه خفيف الظل.

( كلا ، لن أستطيع الذهاب معكم ) قلتها بكل حزم.

( يا لك من فتاة معقدة جدا يا مريم ) قالها نفس الزميل بنفس خفة الظل.

وتركني ومضى ، أما أنا ، برغم إحساسي بالإهانة من عبارته السخيفة ، شعرت أنني يجب أن أشهد للمسيح مهما كان الثمن.

فأنا أعيش في الخارج في بلد من البلاد التي تتميز بالانفتاح الشديد والحرية المطلقة و أدرس في مدرسة مختلطة في المرحلة الثانوية ، وللأسف أن العلاقة بين الفتيان والفتيات هنا تعدت مرحلة الزمالة بل تعدت الصداقة .......

فهنا في هذه البلد تجـد مصـطـلح غريب ولكن سرعان ما تألفه وهو (boyfriend-girlfriend )

تذكرت يوم التحاقي بالمدرسة عندما اندهش جدا المسئول الخاص باستلام الاستمارات عندما وجد الخانة المكتوب بها اسم الـ boyfriend فارغة ( ليس بها أي اسم ) لأني لا أمــلك هذا الــboyfriend وكاد أن يرسلني للمسئولة النفسية للمدرسة لبحث حالتي الخطيرة ، فكيف وكيف فتاة في السادسة عشر من عمرها لا يكون لها صديق شخصي تخرج معه و يخرج معها ، هذه ، من وجهة نظره ، كارثة شديدة ومشكلة عويصة ومرض نفسي أشد خطرا من الشيزوفرنيا

مرت بي كل هذه الأفكار و شعرت بالضيق الشديد ، فكل الزملاء والزميلات يطلقون علي لقب ( المعقدة ) لأني لا أخرج معهم كل سبت إلي صالة الديسكو لنرقص ونغني ونمرح ، ولأني أرفض أن تتخطى علاقتي بأي زميل علاقة الزمالة وأصر على موقفي هذا.

قال البعض : لابد أن أسرتك مرعبة جدا لدرجة إنك لا تقدرين أن تعيشي على طبيعتك يا مريم ، وقال الآخرون : إنك معقدة نفسيا وتحتاجين لعلاج نفسي يا مريم.

كل هذا وأنا أتحمل وأتحمل وأعتبر إن هذا هو صليبي و يجب أن أحمله ، إنني أحبهم كلهم وأعتبرهم أخوتي ولكن يجب أن يكون حبي للمسيح أكبر وأن أشهد له وسط هؤلاء ، كما يجب أن أطيع وصيته ، لقد قال : كونوا قديسين كما أن أباكم أيضا قدوس ، وما يفعله زملائي وزميلاتي بعيد جدا عن القداسة والطهارة.

وفي يوم دخل مدرس اللغة الإنجليزية وأعطانا قطعة  عن نظام الأديرة في أوروبا في القرن السادس عشر ، وبينما هو يشرح قال لهم :

( بالتأكيد أنتم لا تفهمون شيئا من الذي أقوله ، فأنتم لا تدركون كيف يستطيع إنسان أن يحب الله كل هذا الحب ويترك العالم بكل ما فيه و من فيه و يذهب ليتعبد لله في دير ، أنتم لا تفهمون ذلك ، لأنكم لم تروا إنسانا يحب الله من كل قلبه و ...... )

و هنا حدث شيئا لم يكن في الحسبان ، فقد هاج الفصل وماج وقالوا :

( كلا ، مريم تحب الله من كل قلبها ، فهي لا تخرج معنا كل سبت للديسكو و ليس لها boyfriend و لا تعطي فرصة لأحد أن يقول لها كلمة لا تليق ، إنها تحب الله جدا )

و هنا سألني المدرس : هل أنت مسيحية ؟ قلت له بكل فخر : نعم أنا مسيحية أرثوذكسية.

قال لي : هذا يفسر كل شئ ، فأنتم أيها الأرثوذكس تتمسكون بتعاليمكم وديانتكم وعقائدكم دائما ولا تفرطون فيها أبدا.

يومها عدت لمنزلي وأنا أطير من الفرحة ، لقد كنت أعتقد إني متخلفة ومعقدة من وجهة نظرهم ، ولكن الواقع إنهم يحترمونني جدا ويقدرونني ، لقد استطعت أن أشهد للمسيح ، لقد أمكنني أن أكون نور للعالم وملح للأرض.

من الممكن أن يهزأ ويسخر أولاد العالم من إبن ربنا ولكنهم من داخلهم يحترمونه ويقدرونه ، ربما يسخرون منه لأنه يكشف أخطاءهم واعوجاج حياتهم ، فيحاولون أن يهزءوا به بكلامهم الجارح وسخريتهم السخيفة ، ليتنا لا نخاف من الناس من حولنا بل نعيش نشهد للمسيح بطهارة سلوكنا.



ينبغي ان يطاع الله اكثر من الناس ( اع 5 : 29 )

لو كنت بعد ارضي الناس لم اكن عبدا للمسيح ( غلا 1 : 10 )

لا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة ( رو 12 : 2
)