يمكننا تقسيم الإجابة إلى ثلاثة أجزاء مرتبة كالتالي:
أولًا: خلاص البشر أمر خاص بالله ولا يعيقة أمر:
- الله يخلص لأجل اسمه:
إن الله خير في ذاته، ولذلك لا يعرف شيئًا غير الصلاح والخير؛ لأن ذلك من طبيعته. أما ظن البعض أن إهمال البشر في الصلاة لأجل بعضهم البعض يعطل عمل الله في خلاص إخوتهم، ظنٌ في غير محله وغير منطقي بالمرة؛ لأن عمل الله ورعايته للبشر لا حدود لهما، وهو لا ينتظر طلبات البشر، التي تتوافق مع معرفتهم الضعيفة، وحكمتهم القاصرة.. إن طلبات البشر، وصلواتهم لإخوتهم قد تكون نافعة، أو غير نافعة، والله لا يؤخر عطاياه الصالحة انتظارًا لصلوات البشر الشحيحة؛ بل يعمل لأجل اسمه كقوله: "الَّذِي بِهِ، لأَجْلِ اسْمِهِ، قَبِلْنَا نِعْمَةً وَرِسَالَةً، لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ"(رو5:1).. وقوله: "مِنْ أَجْلِ اسْمِي أُبَطِّئُ غَضَبِي، وَمِنْ أَجْلِ فَخْرِي أُمْسِكُ عَنْكَ حَتَّى لاَ أَقْطَعَكَ. هأَنَذَا قَدْ نَقَّيْتُكَ وَلَيْسَ بِفِضَّةٍ. اخْتَرْتُكَ فِي كُورِ الْمَشَقَّةِ. مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ نَفْسِي أَفْعَلُ. لأَنَّهُ كَيْفَ يُدَنَّسُ اسْمِي؟ وَكَرَامَتِي لاَ أُعْطِيهَا لآخَرَ"(إش٤٨: 9- ١١). وأيضًا قوله: "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا"(إش٤٣: 25).
ومع أن الله يعمل لأجل نفسه هو في نفس الوقت يستجيب من أجل محبتنا للإخوة، ولا تعارض بين هذا وذاك، ومثال ذلك أب يفرح ويسر جدًّا لمحبة أبنائه بعضهم لبعض، ويستجيب لطلباتهم لأجل إخوتهم، لكنه لا يتأخر في رعايته لأبنائه، هو يرعى، ويهتم على كل حال، وفي كل حال بدافع حبه وأبوته.
- صلواتنا من أجل خلاص إخوتنا نقطة في محيط مراحم الله:
خلاص الإنسان عمل عظيم يتممه الله من خلال تدبيرات كثيرة كقول معلمنا بولس الرسول: "فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصًا هذَا مِقْدَارُهُ؟ قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا، شَاهِدًا اللهُ مَعَهُمْ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَمَوَاهِبِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، حَسَبَ إِرَادَتِهِ"(عب٢: 3 - ٤). إن الله يفتقد البشر بطرق عديدة. هو كأب حنون يؤهل الإنسان للحياة الأبدية، والملكوت السماوي، من خلال عمله الدائم وافتقاده لنا بالخلاص كل يوم، بل كل لحظة، وذلك بحسب قول الرب: "فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ"(يو٥: 17). ويظل الله يعمل من أجل خلاص الإنسان باستمرار، حتى تتوافق مشيئته مع مشيئة الله، في أمر خلاصه، فينتبه، ويسعى لخلاص نفسه كقول معلمنا بولس الرسول:"إِذًا يَا أَحِبَّائِي، كَمَا أَطَعْتُمْ كُلَّ حِينٍ، لَيْسَ كَمَا فِي حُضُورِي فَقَطْ، بَلِ الآنَ بِالأَوْلَى جِدًّا فِي غِيَابِي، تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ"(في٢: 12 - ١٣).
ثانيًا: الله القادر على خلاص كل أحد:
- هو المحب والقدير جدًّا في خلاصه:
لا يتوقف خلاص البشر على صلوات إخوتهم، ولا على أي أمر آخر على الإطلاق كقول إشعياء النبي: "لِمَاذَا جِئْتُ وَلَيْسَ إِنْسَانٌ، نَادَيْتُ وَلَيْسَ مُجِيبٌ؟ هَلْ قَصَرَتْ يَدِي عَنِ الْفِدَاءِ؟ وَهَلْ لَيْسَ فِيَّ قُدْرَةٌ لِلإِنْقَاذِ؟ هُوَذَا بِزَجْرَتِي أُنَشِّفُ الْبَحْرَ. أَجْعَلُ الأَنْهَارَ قَفْرًا. يُنْتِنُ سَمَكُهَا مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ، وَيَمُوتُ بِالْعَطَشِ"(إش٥٠: 2). لقد أخطأ أبوانا آدم وحواء، ومع أنهما لم يكن لهما أحباء من البشر ليصلوا، ويطلبوا عنهما لكن الله تحنن عليهما، ووعدهما بالخلاص. لأن الله هو المخلص، فهل يفشل في خلاص الإنسان بسبب عدم وجود من يصلي لأجله؟!
لقد شهد إشعياء النبي مؤكدًا تدخل الله حينما يتخلى البشر قائلًا: "فَرَأَى أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ، وَتَحَيَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ شَفِيعٌ. فَخَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ لِنَفْسِهِ، وَبِرُّهُ هُوَ عَضَدَهُ"(إش٥٩: 16)، ولكن مسرة قلب الله أن يتوافق البشر معه في أمر خلاص إخوتهم بحسب المفهوم الكتابي: "تحب قريبك كنفسك".
- الرب يسوع ذو السلطان ولا يقف ضد إرادته أمر:
لقد شهد الكتاب المقدس أن الرب هو ملك الملوك، ورب الأرباب هو: المنتصر والغالب، ولا أحدَ يقدر أن يقاوم إرادته.. لقد رآه ميخا النبي غالبًا، ومخلصًا يفتك بالشيطان؛ فلقبه بالفاتك قائلًا: "إِنِّي أَجْمَعُ جَمِيعَكَ يَا يَعْقُوبُ. أَضُمُّ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ. أَضَعُهُمْ مَعًا كَغَنَمِ الْحَظِيرَةِ، كَقَطِيعٍ فِي وَسَطِ مَرْعَاهُ يَضِجُّ مِنَ النَّاسِ. قَدْ صَعِدَ الْفَاتِكُ أَمَامَهُمْ. يَقْتَحِمُونَ وَيَعْبُرُونَ مِنَ الْبَابِ، وَيَخْرُجُونَ مِنْهُ، وَيَجْتَازُ مَلِكُهُمْ أَمَامَهُمْ، وَالرَّبُّ فِي رَأْسِهِمْ"(مي٢: 12 - ١٣). وقال عنه إرميا النبي: "هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقًّا وَعَدْلًا فِي الأَرْضِ"(إر٢٣: 5).
ثالثًا: قيمة الصلوات المقدمة لحساب الآخرين:
- استجابة الله لصلوات البشر:
لقد شهد الكتاب المقدس عن اقتدار الصلاة بصفة عامة، وشهد أيضًا بوضوح عن استجابة الله لصلوات القديسين، ومن أبرز الأمثلة على ذلك استجابة الله لطلبة إيليا النبي بإغلاق السماء؛ لكي لا تمطر في أيام آخاب الملك، ثم استجابة الله له أيضًا في الحال من أجل أن تمطر السماء بعد ثلاث سنوات ونصف من الجفاف، وذلك كقول معلمنا يعقوب الرسول القائل: "اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا. كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا"(يع٥: 16 - ١٨).
- سر قوة، وفاعلية الصلاة لأجل الآخرين:
إن الله دائم العطاء، ويشبع خليقته بالخير، وهو ليس في حاجة أن يسأله، أو ينهضه أحد ليخلص أو ليعطي، لكن طلباتنا لأجل إخوتنا، وبالأخص ما يتعلق بخلاصهم يعبر عن الحب، والصلاح، الذي وهبه لنا الله، وهذا ما يرضي قلب الله، ويجعله يستجيبنا بفرح كقول إشعياء النبي: "هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ وَجَابِلُهُ: «اِسْأَلُونِي عَنِ الآتِيَاتِ! مِنْ جِهَةِ بَنِيَّ وَمِنْ جِهَةِ عَمَلِ يَدِي أَوْصُونِي!"(إش٤٥: 11).
لقد سُر الله، لأن سليمان الملك لم يطلب لأجل ذاته غنى، لكنه طلب حكمة لنفع شعبه، لذلك كافأه الله بعطايا كثيرة، لم يطلبها مادحًا إياه قائلًا له: "فَقَالَ اللهُ لِسُلَيْمَانَ:"مِنْ أَجْلِ أَنَّ هذَا كَانَ فِي قَلْبِكَ، وَلَمْ تَسْأَلْ غِنًى وَلاَ أَمْوَالاً وَلاَ كَرَامَةً وَلاَ أَنْفُسَ مُبْغِضِيكَ، وَلاَ سَأَلْتَ أَيَّامًا كَثِيرَةً، بَلْ إِنَّمَا سَأَلْتَ لِنَفْسِكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً تَحْكُمُ بِهِمَا عَلَى شَعْبِي الَّذِي مَلَّكْتُكَ عَلَيْهِ، قَدْ أَعْطَيْتُكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً، وَأُعْطِيكَ غِنًى وَأَمْوَالاً وَكَرَامَةً لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا لِلْمُلُوكِ الَّذِينَ قَبْلَكَ، وَلاَ يَكُونُ مِثْلُهَا لِمَنْ بَعْدَكَ"(٢أخ١: 11 - ١٢).