"أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين أشبع الجياع خيرات
وصرف الأغنياء فارغين"(لو1: 52-53)
دخل جبرائيل الملاك للعذراء مريم:"يقول لها السلام لك أيتها الممتلئة نعمة.. الرب معك مباركة أنت في النساء" فلما رأته اضطربت من كلامه، وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية، فقال لها الملاك: "لاتخافي يامريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى.. ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولايكون لملكه نهاية".
حدد الوحي الإلهي في دقة سبب اضطراب العذراء، فالعذراء لم تضطرب بسبب رؤيتها للملاك لأنها قد اعتادت على مثل هذه الرؤى الروحانية، ولكن الكتاب يحدد صراحة أنها اضطربت من كلام الملاك وفكرت ماعسى أن تكون هذه التحية.. فكلمة السلام لك (التحية التي حيا بها الملاك العذراء) في الأصل اليوناني تحمل معنى الفرح...
ووصف الملاك له بالممتلئة نعمة، وبالمباركة في النساء تعني: أن السماء قد اختارتها وفضتلها على كل النساء في كل الأجيال، ولا يوجد من يشبهها.. لقد أحست العذراء بعظمة تحية وسمو وصف الملاك لها، ولذلك استشعرت عظمة الرسالة التي ستلي هذه المقدمة فاضطربت لاتضاعها...
أرجعت العذراء سبب اختيارها ليحل ابن الله الكلمة في أحشائها وليولد منها بالجسد المسيح الرب إلى الله الذي يهتم بالضعفاء، والبائسين، والمساكين ليرفعهم! ولذلك سبحت الله، وأعطته المجد عندما طوبتها أليصابات، وقالت:"تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى اتضاع أمته ...لأن القدير صنع بي عظائم".
ولم تقصد العذراء بكلمة (اتضاع أمته) أن تفتخر بأنها متضعة، لأن الكلمة لاتعني مفهوم الاتضاع المتعارف عليه، بل تعني وضاعة العبدة أو الجارية، ولكن كيف يمكننا أن نتخيل أن العذراء المختارة من السماء والتي فاقت السمائيين والأرضيين تظن في نفسها هكذا؟!
أخي.. أختي:
إن الاتضاع الحقيقي هو شعور الإنسان بضعفه، وعدم استحقاقه لنعم الله الكثيرة.. والمتضع أيضاً يشعر بعدم أفضليته على الآخرين، ويرجع الفضل لله على كل شيء.. ولذلك تراه شاكراً ومسبحاً لله باستمرار، رافضاً من أعماق قلبه مديح الناس.. فهل عرفت لماذا اضطربت العذراء من كلام الملاك؟ ليتنا نضع أمام عيوننا العذراء الملكة مثالاً للاتضاع حتى ما يرفعنا الله...