"اذكر لي يا إلهي للخيرِ ُكل ما عملتُ لهذا الشعب"(نح 19:5)
كان لنحميا الأسير اليهودي مركز عظيم في قصر الملك "أرتحشستا"، وفي أحد الأيام حضر بعض معارفه من أورشليم، وأخبروه عن سوء حالة المدينة: فالأسوار منهدمة، والأبواب محروقة بالنار.. فلما سمع نحميا غار على مدينة آبائه، وصلى وطلب من الملك السماح له بالذهاب إلى أورشليم ليبني أسوارها، ووافق الملك على ذهابه بعد أن عينه واليًا على أورشليم.. وسافر نحميا إلي أورشليم محتملاً مشقة السفر، ومخاطر الطريق ومقاومة أعداء اليهود ومؤامراتهم لإيقاف العمل، وتهديداتهم.. وعمل نحميا بكل أمانة بين إخوته، فساند الفقراء، ووبخ الأغنياء الذين يقرضون إخوتهم بالربا، وطالبهم بتحرير إخوتهم الذين استعبدوهم نظير ما عليهم من ديون، وأوصى نحميا الأغنياء برد حقول وكروم وبيوت الفقراء، ورد الربا المأخوذ منهم، ولم يستغل نحميا وظيفته ليجمع له ثروة، أو ليعيش في رفاهية، وكان يطلب على الدوام مكافأة السماء سائلاً الله أن يذكره بالخير لأجل كل ما عمله لشعبه.
لقد طلب نحميا المجازاة من الله، لأن مجازاة السماء على التعب من أجل الخير تفوق كثيرًا المجازاة المادية الأرضية.. فمجازاة السماء بحسب غنى الله، الذي علمنا أنه يرد مائة ضعف لكل من ترك لأجله شيئًا، وعلمنا أيضًا أنه يكافئ بالحياة الأبدية، التي لا تقارن بأي مكافأة أرضية زائلة.. ومكافأة الله للإنسان غير محدودة؛ لأنها مقدمة من الخالق الذي بيده عمرنا وصحتنا وقدرتنا ومواهبنا، وله السلطان على كل ما يحيط بنا، والله لا يكافئ فقط بالأمور المادية؛ بل أيضاً بالأمور السماوية الروحية، كالسلام الذي يملأ القلب ويفوق كل عقل أو البركة التي لا يزيد معها تعب، أو الفرح السمائي الذي لا يشوبه كدر، أو.. ، أو.. إلخ ، أما مكافأة البشر بعضهم لبعض فمحدودة في كلمة شكر أو مديح، أو عطاء مادي، أو تقديم خدمة مقابل خدمة.
أخي.. أختي:
إن من يعمل خيرًا لينال مكافأة من الناس ينال أجرًا أرضيًا ويخسر الأجر السماوي، أما من يعمل خيرًا حبًا في الله وطاعة له، فينال من الله أجرًا عظيمًا في الأرض والسماء، وشتان الفرق بين الاثنين.. فياليتك لا تُضيع أجرك السماوي بالعمل لاسترضاء الناس، بل احرص على عمل الخير لأجل الله، واطلب مع نحميا أن يذكرك الله بالخير.