"أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك للتوبة؟
ولكنك لقساوتك وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة"(رو2:6)
أعدت مريم ومرثا أختي لعازر عشاء، تكريماً للرب يسوع بمناسبة إقامة لعازر أخيهما من الموت وقبل يسوع الدعوة.. وكان حاضراً بعض المدعوين في ذلك المساء، وأرادت مريم أن تعبر عن امتنانها وشكرها ليسوع فأخذت طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدميه ومسحتهما بشعر رأسها فامتلأ البيت من رائحة الطيب.. لكن يهوذا الإسخريوطي اعترض قائلاً:\"لماذا لم يبع بثلاثمائة دينار ويعطَ للفقراء؟".. ويعلق معلمنا يوحنا الرسول في إنجيله على قول يهوذا قائلا:"أنه لم يكن يبالي بالفقراء، بل كان سارقاً، وكان الصندوق عنده، وكان يحمل ما يلقى فيه".. وبلطف أظهر الرب للحاضرين رضاه عن عمل مريم قائلاً:"اتركوها! إنها ليوم تكفيني".
كان يهوذا مستأمناً على الصندوق وكان الرب يكلفه بشراء حاجات الفقراء، ولكن شهوة الغنى الزائل ومحبة المال تسللت إلى قلبه فأثمرت شروراً كثيرة، فأصبح لا يبالي بتعاليم الرب.. وفي العشاء الذي أقامته الأختان كان يجب أن يكون يهوذا أول الفرحين بتكريم مريم لسيده، ولكنه اعترض على موقف مريم من سيده ليس حباًّ في الفقراء بل طمعاً وحبًّا في المال الذي اعتاد على سرقته من صندوق الفقراء، ولم يتب يهوذا بالرغم من سماعه تعاليم وعظات الرب، ولم يتب أيضاً بالرغم من رفقته للقدوس الوديع الكامل في محبته أكثر من ثلاث سنوات، مع أن اللص اليمين قدم أعظم توبة لمرافقته للرب على الصليب لبضع ساعات.. لقد رأى بطرس الرسول في بداية معرفته بالرب معجزة صيد السمك الكثير فصرخ قائلاً:"اخرج من سفينتي يارب لأني رجل خاطئ".. أما الإسخريوطي فلم يشعر بضعفه أو بخطيئته وهو يرى بعينيه أعظم المعجزات التي تؤكد ألوهية معلمه وسيده يسوع، لكنه في عناد سد أذنيه وأغلق عينيه وقسى قلبه.
أخيراً ذهب يهوذا وهو مندفع بشره ليدبر مع رؤساء كهنة اليهود كيف يخون سيده مقابل ثلاثين من الفضة، ولم يتركه الرب، بل حذره وأعلن له عن الويل الذي ينتظره لعله يفيق ولم يستجب.. وفي وداعة واجهه الرب صراحة مبيناً له يعلم أنه سيسلمه، وأخذ الرب اللقمة وأعطاها له كعلامة أنه هو الخائن، ولم يتأثر يهوذا بل قسى قلبه أكثر فوبخه الرب قائلاً له:"ما أنت فاعله فافعله سريعاً".. ولم يدرك يهوذا لقساوته هول ما ينتظره من هلاك فقام ومضى إلى رؤساء الكهنة ليتمم خيانته...
أخي.. أختي:
لم تكن خطية يهوذا نتيجة زلة أو وليدة ضعف؛ ولكنها كانت نتيجة طبيعية لتمكن الشر منه بسبب قساوته.. وعناده.. وعدم استجابته لتحذيرات الرب له... فلا تقسِّ قلبك برفضك للتوبة، ولا تؤجل، ولا تصر على فعل الشر، لأن القساوة تدفع بالإنسان من شر إلى شر دون أن يدري.. فجأة يفيق الإنسان بعد فوات الأوان على سقوط عظيم...