"فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ، ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها . ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه ؟او ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه ؟"(مر 8-35)
خاطب معلمنا بولس الرسول مودعيه من قسوس كنيسة أفسس مبيناً لهم كيف كان يخدم الرب بكل تواضع باذلاً كل جهد محتملاً التجارب والمكائد التي أصابته من اليهود؟! وكم تعب وهو يكرز للجموع جهراً في الأماكن العامة أو للأسر والأفراد في بيوتهم وكان يشهد للجميع على السواء يهوداً كانوا أو يونانيين ؟ وحذر الرسول مودعيه من الذئاب الخاطفة (الأنبياء الكذبة) الذين لا يشفقون على رعية المسيح وأوصاهم بالسهر وذكرهم أنه لم يفتر خلال ثلاث سنين عن أن ينذر كل واحد من مخدوميه بدموع . وانتهى اللقاء بالصلاة، لكن الكثيرين بكوا لأن الرسول أخبرهم أنهم لن يروا وجهه ثانية لأنه ذاهب لأورشليم و سيتألم هناك، و بكل شجاعة أخبرهم أن نفسه غير ثمينة عنده وهو مستعد أن يموت لأجل اسم الرب يسوع .
بالحب تصير نفس الإنسان غير ثمينة في عيني نفسه فيستهين بكل غال لأجل من يحب ولذلك استهان معلمنا بولس الرسول بكل ما له من أجل الله، فجعل للشهادة لله والكرازة بالإنجيل أولوية على راحة الجسد وتنعمه، وبالحب تمكن معلمنا العظيم بسهولة من إنكار ذاته وحمل الصليب بسرور فاحتمل الاتهامات الباطلة بصبر كثير وأهين من المقاومين، واحتمل الجلد والرجم والأتعاب والآلام والضيقات الكثيرة من أجل الخدمة بفرح وبدون تذمر، وظل الرسول العظيم يبذل حتى أضاء بنور تعاليمه آسيا الصغرى وأغلب أوروبا، وأخيرا بعدما أكمل القديس سعيه سفك دمه ورحل ليسكن الديار الأبدية ولينعم بحياة أبدية لا نهاية لها.
أخي...أختي :
إن من يطيع الله في حب ويبذل ذاته من أجل إلهه يخلص نفسه ويفوز بمجد أبدي في الحياة الأبدية، أما من يستثمن حياة الأرض ويفضل تنعم الجسد على حب الله وطاعته فلن تدوم حياته على الأرض؛ بل ستنتهي وسيخسر الحياة الأبدية وسيكون مصيره الهلاك الأبدي. فهل يظن من يدلل جسده ويرفض أن يحيا حياة مقدسة طاهرة باذلاً نفسه بحب من أجل الله أنه حقاً يحب نفسه محبة حقيقية! أم يبغضها ويهلكها دون أن يدري!. فلا تتردد في إهلاك ذاتك لأجل الله فقد تخسر أشياء مادية لا مفر من فنائها يوماً ما لكنك ستفوز حتما بخلاص لا يمكن تعويضه وستكسب في السماء كنزاً لا يفنى، فهل تريد أن تكون فائزاً؟