ممالك الأرض تثير حروباً على بعضها البعض بسبب شرورها طلباً لغنيمة أو للتسلط أو إثباتاً للذات أو حباً في الشر والقتل أو... أو... أما الله فإنه إله الحق والعدل ذو السلطان والقدرة، وهو القاضي العادل الذي يقضي بأحكام على الشعوب والممالك ليسود الحق والعدل، هو يبيد الأشرار الذين لا نفع فيهم حتى لا ينشروا شرورهم في العالم ولذلك قيل عن الرب يسوع: " قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ" (مت١٢: ٢٠)... وفي السطور التالية نقدم بعض النقاط المهمة بخصوص هذا الأمر:
- فعلاً تغنت مريم النبية وقالت: "الرَّبُّ رَجُلُ الْحَرْبِ.الرَّبُّ اسْمُهُ" (خر١٥: ٣)، ولكن ليس المقصود أنه يحب الحروب؛ ولكن المقصود أنه الغالب دائماً في الحروب كما ذُكر عن الرب يسوع في سفر الرؤيا: "فَنَظَرْتُ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلاً، وَخَرَجَ غَالِبًاً وَلِكَيْ يَغْلِبَ" (رؤ٦: ٢)، وذلك بديهي لأنه الله هو القادر على كل شيء.
- الرب هو رب الصاباؤوت أي رب الجنود أو رب القوات، وهذا معناه أن الله قدير وقوي ومن يقدر أن يقف أمامه ليعطل أو يمنع مشيئته الإلهية الصالحة، ولا يقدر أحد أن يدَّعي أن الله قد خلق الكون وتركه ولا مشيئة له من نحوه، وأما جنود الله الذين يصنعون أمره فهم ليسوا جنوداً مسلحين بسلاح مادي، لكنهم الخليقة كلها سواء ملائكة أو بشر أو ما في الطبيعة من عواصف أو زلازل أو براكين أو... أو..
- بعد برج بابل تشتت البشر في أنحاء الأرض وأقاموا لأنفسهم ممالك، ومع ازدياد الشر اخترع الناس لأنفسهم آلهة وعبدوا الأوثان، وأقام الملوك أنفسهم آلهة لشعوبهم، واعتقدوا في قوة آلهتهم ونسبوا إليها انتصاراتهم وتناحرت هذه الممالك مع بعضها البعض، وأرادت أن تفرض سيطرتها وعبادتها المملوءة شراً على كل الأرض، وهنا كان لابد أن يتدخل الله لمساندة الضعفاء، ولذلك تكررت في أسفار العهد القديم بعض العبارات التي تفسر تدخل الله لإنصاف شعبه المظلوم مثل "سمع الله صراخهم" أو "صعد صراخهم للرب"، أو… أو... إذاً الله يسمع صراخ المظلومين ويتدخل كقول المزمور: "عَيْنَا الرَّبِّ نَحْوَ الصِّدِّيقِينَ، وَأُذُنَاهُ إِلَى صُرَاخِهِمْ. وَجْهُ الرَّبِّ ضِدُّ عَامِلِي الشَّرِّ لِيَقْطَعَ مِنَ الأَرْض ِذِكْرَهُمْ. أُولئِكَ صَرَخُوا، وَالرَّبُّ سَمِعَ، وَمِنْ كُلِّ شَدَائِدِهِمْ أَنْقَذَهُمْ" (مز٣٤: ١٥-١٧)، وإلا كيف يكون الله هو إله الحق والعدل، ويسكت عن سحق الأشرار للأبرياء.
- لم يأمر الله شعبه في العهد القديم بخوض الحرب على العالم كله لتكوين إمبراطوريات كإمبراطورية الإسكندر الأكبر مثلاً، ولكنه وقف معهم في حروبهم الدفاعية أو استخدمهم هم أو غيرهم من الممالك ( كمملكة بابل أو آشور أو مادي وفارس)؛ لتنفيذ عدالته بمعاقبة بعض الشعوب الشريرة من الأرض، كما حدث مع سكان أرض كنعان وحدث مع شعب الله بسبب شرهم كقول الرب: "يَأْتُونَ لِيُحَارِبُوا الْكَلْدَانِيِّينَ وَيَمْلأُوهَا مِنْ جِيَفِ النَّاسِ الَّذِينَ ضَرَبْتُهُمْ بِغَضَبِي وَغَيْظِي، وَالَّذِينَ سَتَرْتُ وَجْهِي عَنْ هذِهِ الْمَدِينَةِ لأَجْلِ كُلِّ شَرِّهِمْ" (إر٣٣: 5)... ومن الواضح من هذا النص أن الله ضرب شعبه إسرائيل، وستر وجهه عنه لأجل شرهم وبالطبع ضربهم بيد الكلدانين (مملكة بابل).
- أمر الله شعبه بني إسرائيل بتملك أرض كنعنان لفظاعة وكثرة شرور سكان هذه الأرض، وكان هذا قضاء الله نحوهم كقول الرب: "لَيْسَ لأَجْلِ بِرِّكَ وَعَدَالَةِ قَلْبِكَ تَدْخُلُ لِتَمْتَلِكَ أَرْضَهُمْ، بَلْ لأَجْلِ إِثْمِ أُولئِكَ الشُّعُوبِ يَطْرُدُهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ أَمَامِكَ" (تث5:9). وبنفس الأسلوب عندما ضل بني إسرائيل أدّبهم الله بملوك بابل وآشور وطردهم من نفس الأرض، وسباهم أعداءهم كعبيد لأراضٍ أخرى بعدما قتلوا منهم الكثيرين. إذا الأرض كلها ملك للرب ومن حقه أن يملّكها لمن يشاء كقول المزمور: "وَجْهُ الرَّبِّ ضِدُّ عَامِلِي الشَّرِّ لِيَقْطَعَ مِنَ الأَرْضِ ذِكْرَهُمْ" (مز٣٤: ١٦).
- لم يأمر الله شعبه بنشر تعاليمه بالحرب فلا يوجد نص في الكتاب المقدس يقول أن الله أمر شعبه بإقامة حرب لإرغام أعدائهم على قبول وصايا الله أو التهوّد فالله يعلن ذاته بهدوء دون أن يجبر أحد كقوله على فم الحكيم: "لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ، وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي، بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي، وَلَمْ تَرْضَوْا تَوْبِيخِي" (أم١: 24-٢٥).
- اعتقدت الشعوب في قدرة أصنامها كآلهة فتجبرت وأذلت باقي الشعوب بدعوى قدرة آلهتها وكمثال لذلك تعيير ربشاقي قائد جيش سنحاريب لشعب الله قائلاً: "هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ الأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟ هَلْ أَنْقَذُوا السَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟" (2مل ١٨ : ٣٣-٣٥)؛ لذلك كانت نصرة الله لشعبه بمثابة إعلان عن ذاته كإله قدير لهذا الكون، وأيضا إظهار لضلال تلك الشعوب، وخطأ اعتقادهم في الأصنام لعلهم يكفّون عن شرورهم، لقد كانت تلك الحروب والضربات هي أحكام الله على هذه الآلهة المزيفة بحسب قول الله عن آلهة المصريين: "فَإِنِّي أَجْتَازُ فِي أَرْضِ مِصْرَ هذِهِ اللَّيْلَةَ، وَأَضْرِبُ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. وَأَصْنَعُ أَحْكَامًا بِكُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ. أَنَا الرَّبُّ" (خر١٢:١٢)... فهل كان الله يصمت تجاه هذه الاعتقادات الخاطئة تاركاً شعبه للضلال أم ينصف شعبه ويظهر قدرته كإله ذو السلطان والقدرة؟!!!